01 - 05 - 2025

ملامح | الإعلام المصري "لازم يطلع بره الدرج"

ملامح | الإعلام المصري

الإعلام المصري منذ يناير 2011 وما تلاها بات سجين الأدراج.. فالقائمون عليه تنحصر اختياراتهم في الإدراج، وما يقومون به هو إعادة ترتيب الأدراج وما بداخلها، فمن كان في الدرج الأعلى قد ينزل للأسفل درجين أو ثلاثة، ومن كان في وسط الأدراج قد يصعد درجين أو درجا، وربما يحتفظ به في الأرشيف "أستبن".

أزمة الإعلام المصري أنه أصبح في يد من هم ليسوا بإعلاميين، وإعلاميين فاقدين للموهبة، أو أنصاف موهوبين، وأخرين ناقصين للخبرة والتعلم، والتعلم هنا ليس أن تكون خريج كلية الإعلام، فعظماء صاحبة الجلالة معظمهم جاء من خارج هذه الكلية، لأن الصحافة كما قال لي في بداية مشواري المهني والذي بدأ منذ فبراير 1990 بجريدة الأهالي، أحد عظماء صاحبة الجلالة وصناعها الأستاذ الراحل مصطفى أمين أن الصحافة موهبة كالشعر والآدب، موهبة يصقلها كثير من القراءة وكثير من الكتابة.. ومن هنا تأتي الخبرة.

مشكلة القائمين على صناعة الإعلام بكامل مشتقاته (الصحافة المكتوبة والمرئية والسمعية) انحصرت اختياراتهم في أهل الثقة دون النظر للكفاءة، وكلما صغر سنه وانعدمت أو صغُرت خبرته كان أفضل حتى يمكن تحريكه كالعرائس.. فضلاً عن أن كثيرين ممن يتولون أو تولوا المناصب القيادية في المهنة لولا سياسة الأدراج والسمع والطاعة ما وصلوا لمناصبهم تلك، بخلاف بندول الساعة وهم أشخاص يتراقصون ويأكلون على أي مائدة، وتجدهم معارضين طالما لم يكن لهم طبق على تلك المائدة.

المحرك الرئيسي للمهنة وفر المناخ الذي يتيح له ما يريد، ووجد من يعينه حتى تم القضاء على المهنة، وبمعنى أدق اغتيالها، من خلال مجموعة من عديمي الموهبة أو أنصاف الموهوبين قليلي الخبرة والتعلم.. وقالوا لنا "ذلك هو الإعلام المصري الجديد".  

المشكلة أنه منذ العام 2000، اعتمدت معظم الصحف والمجلات، على فكرة الاستعانة بديسك مان لديه خبرات ويجيد الصياغة، دون الاهتمام بتعليم الصحفيين، وهؤلاء يقومون بإعادة كتابة الخبر أو التحقيق، ويوضع اسم من قام بتجميع المعلومات أو الآراء على العمل كصحفي، بمبدأ " الفعل لطوبة والمتهم أمشير"..    كما شهدت الفترة منذ العام 2011، دخول مجموعة أخرى دون تعلم فكانت هوجة، فمن كان يصور أحداث ميدان التحرير ويرسلها للصحف والمواقع الإلكترونية صار صحفياً ورئيس قسم، وهو كان يعمل بأحد محلات المأكولات، ودخل المهنة بالصدفة، رغم أن صحافيين وفنانين كُثر دخلوا المجال بالصدفة لكن كانت لديهم الموهبة فصاروا نجوماً.. فأصبح لدينا قادة غير متعلمين وهؤلاء يفضلون دوماً التعامل مع الأصناف التي تشبههم حتى يمارسوا عليهم دور القيادة والعلم، أما من تعلم ولديه خبرة وفهم فهو خارج المنظومة، وإن وجد يتم تهميشه لقتله بالبطيء.

** أين ذهبت الريادة؟

المحزن أن مصر رائدة صناعة الإعلام، والتي قام أولادها بتأسيس غالبية القنوات والصحف بالوطن العربي وخارجه، وهناك تجارب ناجحة، لا نبحث عنهم لاستقدامهم والاستفادة من خبراتهم، بل نبحث عن تطفيشهم.. المحزن أن عاصمة الإعلام والريادة لا تمتلك قناة إخبارية، أو منوعة، أو صحيفة، أو موقع إخباري يجبرك على مشاهدتها أو قرأتها.. الجميع يشبه بعضه، يذكروني بأيام البيجامات الكستور، والكساء الشعبي، أيام كان الكستور يوزع على بطاقات التموين وكنا جميعاً نرتدي ذات البيجامة أو الجلابية.. وكأن القائمين على الإعلام قرروا تطبيق العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق الطبقية في الإعلام فقط.

حتى المفاهيم تغيرت وتبدلت، فمثلا مفهوم برامج "التوك شو" هي أن يجلس السيد الأستاذ المذيع أو المذيعة يدش كلام كثير لمدة قد تتجاوز نصف وقت البرنامج أو ثلثه أو ربعه، وإذا فتح الله عليه بضيف تحدث أكثر منه.. "توك تيك شو بقى".. أتذكر عندما عدت من تجربة الجزيرة في العام 2016، دعاني صديقي الغالي الراحل وائل الإبراشي للعمل معه في برنامج العاشرة بقناة دريم " عليها رحمة الله" والتي اغتيلت في ظروف غامضة، فقلت له ما يحدث هو "وان مان شو" من قال أن برامج "التوك شو" تكون مدتها بالساعات، فالدقيقة والثانية والساعة عُمر في التليفزيون، لقد بدأت تجربة الجزيرة مباشر مصر بساعتين ثم أربعة ثم 6 ساعات حتى صارت قناة، وقد نفذت مقترح أن البث المباشر يبدأ من الساعة 12 ظهراً، لأن مشاهدة التليفزيون قبل ذلك مضيعة للوقت وهلك لغياب المشاهد بتواجده في عمله أو مدرسته أو جامعته، وينتهي البث المباشر الساعة الواحدة ليلاً، ومن بعدها تكون إعادة.

الإعلام فكرة سواء كان صحيفة، أو موقع، أو إذاعة، أو تليفزيون، تماماً كالشاعر الذي يكتب أغنية أو قصيدة، أو أديب يكتب قصة.. فكرة تقوم على جذب انتباه المتلقي، وليس عدالة المشهد الواحد والجملة الواحدة والصورة الواحدة..

** سلاح حربي يحيي ويميت

نحتاج لتنوع الفكر، والصورة، والأداء، والمعاني.. نحتاج للاختلاف لخلق منافسة فيتنفس الإبداع، وليس خنق المهنة والإبداع، نحتاج صحافة تعيش لا صحافة وإعلام المقاولات، الإعلام في غالب الأوقات لا يكون للربح فهو يحمل رسالة، خاصة القنوات الإخبارية هي قنوات غير ربحية، وباتت سلاح لا يقل خطورة عن معدات الحرب، فالإعلام من الممكن أن يكون دواءً فيه سم قاتل، أو عسل مخلوط بالملح، ولقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة أن الإعلام قادر على الحشد وتغيير الواقع، من خلال الفيديوهات التي كشفت جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، تلك الفيديوهات كشفت زيف قادة الدول المساندة للاحتلال فخرجت الشعوب تناصر غزة أرضاً وشعباً، بل وأحيت القضية الفلسطينية التي بفضل الإبراهيمية كادت أن تؤد في وطنها، أي أن الصورة أحييت الميت.

ولدينا نموذج حديث، خرجت الخارجية القطرية تؤكد وتكذب وتنفي دفعها أموالاً لتشويه وتقليل الدور المصري في قضية غزة، بعد نشر أخبار وتقارير تتهم قطر بذلك، وبالقطع المتهم معروف وهو الاحتلال وداعميه الإبراهيميين الذين يسعون لإفساد التقارب المصري القطري.. أي أن الإعلام قادر على بث الفتنة.

لماذا نذهب بعيداً، فلقد عاشت مصر في أعقاب تولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم، حملة لتمجيد الإخوان، والإساءة للجيش والشرطة، وأن الثلاثين من يونيو 2013، كان انقلابا عسكرياً على الديمقراطية، وكانت هناك معركة بين إعلامين، أحدهما مضلل تنفيذاً لأجندة، وأخر يسعى لإظهار الحقيقة، وانقسم الشعب الذي تم إرهابه عبر الإعلام بنشر فيديوهات منها ذبح 21 مصري في ليبيا، مقابل إعلام أخر نشر جرائم الإخوان والإرهاب.. إذن الإعلام قادر على التضليل ونشر الحقيقة.    

الإعلام يا سادة.. رسالة من خلالها نثقف ونوعي ونعلم ونرهب ونكذب ونصحح الأكاذيب، الإعلام يقوم على التعددية في الرأي، حتى لو كان من باب " أنا أكذب، ولكني أتجمل بالديمقراطية".. علماً بأنه لا يوجد إعلام محايد، الإعلام يحركه صاحب المال وسياسته، لكن الصنعة كيف أقنعك بالحيادية.
…………………………..

بقلم: محمد الضبع

مقالات اخرى للكاتب

ملامح |